وعندما عاد الى الناصرة رأى نفس
المراة تجلس على احد مواقف الباصات...اقترب منها واراد ان يحدثها لكنه كان
خائفا من ان تكون هذه المحجبة التي يراها امرأة اخرى ...فكيف يميز ان كانت
هي ام شبيهه بها ...وبحركة غير متوقعة اقتربت ذات الخمار الاسود من شباك
السيارة..
- وقالت: ليش اتاخرت يا فارس ...انا بستناك من ساعة ونص...؟
صعدت الى السيارة واغلقت الباب ...وهي ما زالت تعاتبه على تاخره وكانها
على موعد مسبق معه...بقي فارس صامتا وعلامات الاندهاش والتعجب تظهر على
وجهه والحيرة تعتصره لانه لم يفهم شيئا مما يدور حوله.
- فقالت له :وصلني لحيفا .
- ضحك فارس وقال :بتؤمري بوصلك لحيفا ولوين ما بدك ..بس قولي لي يا....
- قاطعته وقالت : ياسمين اسمي ياسمين ، ناديني ياسمين .
- فقال : ياسمين قولي لي عن جد كنت بتستنيني ولا بتمزحي؟
- فقالت: آه انا كنت بستناك ...انت شو مفكرني كنت بسوي هون.. بستنا واحد تاني ...على العموم اذا ما بدك تشوفني بنزل هون.
فتحت الباب وهمت بالنزول ، لولا انه اعتذر لها
-وقال : انا بدي اشوفك..بس مش شايف اشي منك غير هالسواد !؟
- فردت عليه غاضبة وقالت: مش مصدقني ...؟ قلت الّك انا حلوة.. اقسم بحيات ستي اني حلوة وراح تشوفني في الوقت المناسب.
- رد عليها فارس بصوت غلب عليه الحزن واليأس وقال: ياسمين قولي لي ..هل
انت انسانة انا بعرفها وحابة تمزح معي من ورا هالخمار ولأ فيّ حدا مسلطك
عليّ علشان تجنينيني.
-قالت: لا..انا ما بعرفك وما في حدا سلطّني عليك ..بس من اللحظة الاولى الّي شفتك فيها صرت قدرك..وبعدها عرفت عنك كل اشي.
- وقال لها : شو قصدك ...؟!
- قاطعته وقالت له :لقد وصلت وعليّ ان اذهب.
غادرت "ياسمين " الغامضة وبدات تسير بالشارع حتى اختفت بين الزحام.. وعيون
فارس لم تعد تستطيع ملاحقتها فاخذ بالضحك مستسخفا مما يحدث وقد اتخذ قرارا
ان لا يفكر في هذه المرأة الغامضة التي تود فقط ان تثير فضوله في لعبة
ذكية ..فلا بد ان يكون من ورائها احد ..وعاد الى عمله ليشغل نفسه ولكنه
فشل في ان يطرد خيالها من مخيلته واخذ يسأل نفسه: ما الذي يشدني الى هذه
المقنعة السوداء؟ هل هو الفضول ام ان اسلوبها المثير قد اثر بي؟
شقت السيارة طريقها من جديد الى الناصرة وما ان وصل فارس حتى بدإ يقوم
باتصالاته لترتيب عدة مواعيد لعمله ...بدل التفكير بسخافة هذه المرأة وما
ان مرت عدة ساعات واقترب الوقت من منتصف الليل وقرر العودة الى البيت حتى
فوجىء بالمرأة "صاحبة الخمار الاسود " تشير بيدها له ليتوقف ...دق قلب
فارس بسرعة واصابه شعور غريب لم يعرفه من قبل ...شعور ممزوج بخوف رهيب من
المستقبل ...وسعادة لرؤيتها ..توقف واقتربت المرأة من السيارة وفتحت الباب
ورمت بجسدها الملفوف بالسواد على الكرسي
وقالت :فارس ممكن توصلني لبئر السبع ؟
لم يستطع فارس الاجابة بل وجد نفسه يسير في الطريق المؤدية الى بئر السبع
دون ان يجادل او يأبه اذ كان عليه العودة الى البيت اواذا كان احدهم
بانتظاره ...خيم الصمت لدقائق طويلة عليهما كانت كانها سنوات ...لم يتكلم
احدهما.. نظر فارس الى المرأة بعد ان استجمع جملة واحدة بعد الذهول الذي
اصابه
- وقال: ياسمين انا في حياتي كلها ما عرفت شو هو الحب ...ومش مهم مين
بتكوني او مين انتِ ...انا بصراحة حبيتك من اول مرة سمعت صوتك فيها ..ما
شفتك وبعرفش مين بتكوني...بس لاول مرة في حياتي بشعر اني مهزوم ، ايوه انا
مهزوم بحبك .
- وقالت له ساخرة :بعدك ما شفتني وحبيتني ..الله يساعدك لما تشوفني شو راح يصير فيك...
- فقال فارس: راح احبك اكثر ..
- فقالت: بصراحة انا كمان مفكرة اني أحبك ..وخاصة اني قدرك يا ...
- قاطعها فارس وقال : ياسمين عن جد انت مصدقة شو بحكي ؟
- فقالت: آه يا فارس مصدقتك .. ما انا قلت لك من اللحظة الاولى اني انا قدرك .
- فقال : ياسمين مين انت ؟
- فقالت : ما تسال راح تعرف لحالك مين بكون ...
وفي هذه الاثناء مرت السيارة من امام حاجز للشرطة كان بجانب الشارع السريع
بين تل ابيب وبئر السبع واشار الشرطي الى سيارة فارس بالتوقف لتجاوزه
السرعة...استجاب فارس للنداء وتوقف بجانب الطريق واقترب من النافذة شرطي
وطلب من فارس اوراقه الخاصة "الرخصة والتامين ورخصة السيارة " وهّم فارس
في اعطاء الاوراق الى الشرطي ..وفي تلك الاثناء طلبت منه ياسمين ان لا
يستجيب لطلب الشرطي وان يسير بسرعة ...سار فارس وهو لا يأبه بعواقب ما فعل
مع الشرطة ...واخذت ياسمين تضحك ولكن ما هي الا لحظات حتى كانت عدة سيارات
شرطة تطارد سيارة فارس وتنادي عليه بان يتوقف على يمين الطريق ...
وجد فارس نفسه في ورطة كبيرة وتوقف رغم ان ياسمين طلبت منه ان لا يهتم بهم
.. ونعتها بالجنون وقال لها :انت مجنونة فعلا ..مجنونة وبدك تقتلينا .
احاطت الشرطة بالسيارة بعد ان توقفت واقترب الضابط منها وعلى وجهه علامات
الغضب ...وما ان اقترب حتى بادرته ياسمين قائلة : ماذا تريد؟
بدت علامات الذهول على وجه الشرطي وقال :لا شيء ...لا شيء ..!
- فقالت له :اذن ابتعد من هنا !!
ابتعد الشرطي وصعد الى السيارة العسكرية دون ان يكلم احدا ...ويبدو ان احد
افراد الشرطة اصابه الفضول فاقترب من السيارة هو الاخر ...ولكن ما ان راى
ياسمين حتى ابتعد هو الآخر مسرعا وكأن كل منهما قد راى "رئيس دولة" او
شيئا مهما او شيئا غريبا ...وبسرعة ادار فارس راسه باتجاه ياسمين وراها
تحمل بيدها "جمجمة " وراى شعاعا احمر باهتا سرعان ما اختفى ، فحرك فارس
عينيه من تاثير الشعاع واخذ يفحص بعينيه من اين مصدره ، وهو متاكد من انه
رآه ينبعث من تحت النقاب الاسود ...اكمل فارس سيره مذهولا وهو يفكر بما
حدث ، وهل ان منظر النقاب هو ما اخاف الشرطة ؟ ام ان الجمجمة ؟ ام ان هناك
شيئا اخر ؟ لم يخف على المرأة ذات النقاب خوف وذهول فارس فقد كان ذلك
باديا على وجهه وعلى حركات يديه وعلى اشعاله السيجارة تلو الاخرى بنهم .
- قالت له : شو فيّ يا فارس ..فّي اشي ؟
- فقال: اللي صار مع الشرطة غريب..؟
- فقالت : وما هو الغريب في الامر ان تسال الشرطي ماذا يريد ...فيقولون لك
لا شيء ..هذا يحدث مئة مرة في اليوم ولكن انت مرهق وانا السبب في ذلك
...اسفة ، اسفة يا حبيبي ما كان يجب ان اجعلك تقود هذه المسافة الطويلة ...
وصلت السيارة مدينة بئر السبع وهناك طلبت منه السير في طريق جانبية ، سار
بها فارس اكثر من ساعة ليدب الرعب في قلبه ويزداد الخوف اكثر واكثر كلما
اوغل في الطريق وكان هذا الطريق في عزلة عن العالم فلا شيء امامه او على
جنبات السيارة سوى الصحراء المظلمة والكتلة السوداء التي تجلس بجانبه
واصوات عواء الذئاب يملأ المكان وتزيده رهبة ...تنهدت المراة الغامضة
وقالت : اوقف السيارة ..ها قد وصلنا .
اوقف فارس السيارة وهو لا يرى شيئا يدل على عنوان .
- فقال فارس وعلامات الذهول بادية على وجهه :الى اين اني لا ارى سوى الصحراء المظلمة؟ الى اين هل تمزحين ؟
- قالت : كلا انا لا امزح سنسير على الاقدام وبعد دقائق سنصل ...
- قال : على الاقدام هل انت مجنونة ؟
- قالت : هل انت خائف ؟
- قال : نعم انا خائف ، وهل يوجد عاقل يوافق على السير في هذه الاماكن ولو عدة امتار ؟
- قالت : لا مكان للحب والخوف معا اما ان يقضي الحب على الخوف واما العكس
فان اردت ان ازيل الخمار لتراني فتعال معي ، واعدك بانك ستسعد طوال حياتك .
- قال : وما ادراني ماذا سيكون تحت هذا الخمار ؟
- قالت : تعال وستعرف بنفسك ...!!
.................................................. ...............
وسارت تشق طريقها في الظلام وفي عتمة الصحراء ، وكلما سارت خطوة شعر فارس بان روحه تبتعد عن جسده ...واختفت ياسمين المرأة الغامضة
ود فارس لو انه يقفز من السيارة ليلحق بها ولكن الخوف كان يمنعه ...فهو لا
يعي حقيقة ما يجري وسرعان ما افاق فارس من ذهوله ليشعر بخوف كبير ممزوج
بالحزن والآسى والاحباط خوفا من هذه المرأة الغامضة التي تعلقت روحه بها
بصورة غريبة وبقوة لم يعهده من قبل ...وخوفه ان لا تعود من جديد وان لا
يراها على الرغم من انه لم يرها فعلا ...لم يعرف الا صوتها الآتي من خلف
الخمار الاسود ..كأن خوف فارس الاكبر من المجهول الذي تقوده اليه هذه
المرأة الغامضة المسماة "ياسمين"...
وفي وسط تردده وخوفه من ان يلحق بها او لا يلحق ، بدأ يسمع عواء ذئاب آت
من بعيد، تعالى صوت العواء اكثر واكثر ، ازداد صوت العواء وتكاثر واخذ
الصوت يقترب ...ادار فارس محرك السيارة ليهرب من المكان بسرعة لشعور
بالخطر الذي يترقبه ...وصوت الذئاب يحيط به من كل جانب ...
ابت السيارة ان تتحرك..وحاول مرة اخرى ولكن دون جدوى فمحرك السيارة لا
يعمل وكأن خللا قد حل بها ، وبحركة لاشعورية وسريعة اغلق فارس نوافذ
السيارة واحكم اغلاق الابواب واخذ يترقب وصول الذئاب اليه وهو يتساءل : هل
تستطيع الذئاب كسر الزجاج والدخول الى السيارة ؟ وهل سأتحول الى وجبة عشاء
لذيذة للذئاب ؟!!وماذا سأفعل ؟؟ وكيف سأتصدى لها ؟؟ كم يبلغ عددها ؟؟ لا
بد انها عشرات الذئاب
انتظر القادم غدا
لسه فى باقى للقصه وياريت اقدر اكملها لكم