لم يتحرك فارس من مكانه خشية ان يرفع بصره عنها او انه يخشى ان يكون بحلم
قد يصحو منه ..اخذ قلب فارس يدق بسرعة ولم يتحرك من مكانه برغم ان ياسمين
اشارت اليه اكثر من مرة ان يتقدم نحوها ..
الا انه لا حياة لمن تنادي فما كان من ياسمين الا ان اقتربت هي منه وهزته من ذراعه..
وقالت له: مالك ..لا تنجن هلأ ولا تسطل
فنظر اليها وقال: ياسمين انا ما بحلم صحيح..
فقالت: لا انت ما بتحلم وهلأ لازم نتحرك ..لا تخربطلي النظام الّي انا "مجهزتو لهليوم ".
فقال: طيب حندخل هلأ الناس كلهم حيشوفوا وجهك والعجوز حذرتك انو ما حد يشوفك الا بعد ما تخلفي بنت..
فقالت :فارس حبيبي هاي مشكلتي مش مشكلتك وهلأ يالله قبل ما الترتيب يخرب.
امسك فارس بذراع ياسمين واستعد للدخول ..فمالت ياسمين برأسها على اذن فارس
وهمست وكأنها لا تريد ان يسمعها احد وقالت :فارس خليك طبيعي ولا تهتم بوجود
حد
اراد فارس التقدم نحو القاعة ولكن ياسمين قالت له: استنى اشوي بعد دقيقة
بندخل.. دقيقة مرت ودقت موسيقى ترحيبية بدخولهم مصاحبة لاغنية بكلمات جميلة
متناسقة بالكاد تكون مفهومة...وسار فارس يتأبط ذراع ياسمين على دقات
الموسيقى حتى وصلا الى المكان المخصص لهما في وسط القاعة المليئة بآلاف
الشموع المضاءة بكل مكان ووسط جو من البخور والعطور والاف الورود التي ملأت
القاعة واصطفت على طريق مرورهم ..وفي هذه الاجواء لم يكن فارس يستطيع ان
يرى الا ياسمين الذي ما زال لا يستطيع ان يبعد عينيه عنها ولو للحظة مبهورا
بجمالها ...تحولت الموسيقى من دقة الزفة الى موسيقى هادئة اعدت لرقصة
العرسان مسبقا ووضع فارس يده على خصر ياسين وامسك بالاخرى وضمها اليه واخذ
يتمايلان على انغام الموسيقى ليشعر فارس كلما دارت ياسمين ان الدنيا كلها
تدور فيه.. همست ياسمين في اذن فارس فقام فارس بتناول كأسين أعدا على
الطاولة امامهم مسبقا فتناولاهما معا ..
وبقي مشدوها مبهورا بياسمين...
وبلفتة عين جاءت عفوية بأتجاه الموائد من فارس تبعتها تحديقات والتفاتات
وبحث في القاعة الواسعة الكبيرة رأى فارس ان كل الموائد مضاءة بشموع ومليئة
بالمشروبات والحلويات والأطعمة ولكنه تفاجىء بعدم وجود اي شخص في القاعة ،
حتى ان فارس ولهول المفاجأة انحنى لينظر تحت الموائد لعل المدعويين
اختبأوا وايقن انه لا يوجد في هذه القاعة الكبيرة الواسعة سوى هو وياسمين
واجهزة موسيقية تعمل اتوماتيكيا ...ضحكت ياسمين وتردد صدى ضحكتها في انحاء
القاعة المغلقة بإحكام والخالية من البشر ووقف فارس ينظر اليها ولا يدري
ايضحك معها ام يبكي..
وقال :شو بصير يا ياسمين شو بصير يا ياسمين ..
فقالت:شو يا حبيبي في اشي مش عاجبك ..!!
فقال: وين الناس وين..?
فقاطعته وقالت: شو يا حبي انت ما بتغار عليّ بدك حد غيرك يشوف وجهي معقول
انت ما عندك دم ولا بدك البس خمار وعباي يوم عرسي علشان الناس يقولوا انه
فارس متجوز قردة علشان هيك مخبيها...فقال فارس: وكل هالمصاريف وهالغلبة مش
على شان يكون في ناس ومدعوين ..واهلي يحتفلوا معنا ..
فقالت ياسمين: فارس اطلع على كل الطاولات وشوف اذا امي موجودة على واحدة
منهن ...اخذ فارس يتلفت ويبحث بعيونه وكأنه يتوقع رؤية ام ياسمين وقال لها:
مش شايف ..
فقالت:طيب اطلع على كل الطاولات وشوف اذا كانت اختي وردة موجودة على واحدة منهن..!؟
فنظر فارس بسرعة وقال: لا مش شايفها .
فقالت:طيب يا حبيبي بتعرف ليش علشان امي واختي ما بقدروا يحضروا عرسي واذا
امي واختي...مش موجودين مين حيهمني يكون موجود اذا كان واحد ولا الف حيهمني
اهلك ولا اصحابك ولا اقاربك كلهم يا حبيبي ما بيسوا عندي بسمة صغيرة من
امي في يوم مثل هذا وامي مش عم تقدر تبتسم .
فقال :طيب ليش كل هذا وليش داعينا الناس ..!؟
فقالت: ما حدا دعا حدا يا حبيبي ولا بتفكرني فاضية اشغل مخي بدعوة الناس ،
واطمئن ما حد بعرف بهالحفلة الا اذا انت داعي حد من وراي فهاي مشكلتك..اما
ليش هالغلبة ...يا حبي علشان اليوم عرسي ولا تقلبلي اياه نكد وخليني مبسوطة
ومن حقي اشعر انك عملت لي اشي على مستوى بتحلم فيه أي بنت بتتجوز لاول مرة
بعمرها وكمان علشان ما اشعر اني ناقصة عن الناس وبدك احلى من هيك عرس يا
فارس والله ما حلمت فيه حتى بأحلامك وعمرك ما راح تنساه الا اذا قلبك وجعك
على اللي دفعته وخسرتوا ..اطلع في حبيبي مليح وشوف اذا انا بستاهل ولا ما
بستاهل..
نظر اليها فارس وابتسم وقال من كل قلبه: مجنونة والله العظيم مجنونة بس بحبك وبموت بجنونك..
اقتربت ياسمين وحضنت فارس وقبلته وهي تضحك سعيدة واستمر العناق لعدة دقائق
وفجأة سالت عدة دمعات من عيني ياسمين وسارت عدة خطوات وحملت احدى الشموع
بكلتا يديها ووضعتها في وسط القاعة وجلست على ركبتيها امام الشمعة واخرجت
وثيقة الزواج ووضعتها بجانب الشمعة وبدا الحزن على وجهها وانهمرت الدموع من
عينيها ..ولا مس شعرها الطويل الارض وكانت تمسح بكفيها الدموع وهي تنظر
باتجاه الاف الشموع المضائة بارجاء القاعة .....وكان ما دفعها للبكاء انها
لمحت عشرات الشموع قد اطفأت ..فقالت بصوت عالي تخاطب الشموع والدموع ما
زالت تسيل من عيونها ..
نورنا وعهدنا وطريقنا انت يا جورجيت
ضويت كل هالشموع لألك
ومش لألي كل شمعة
بتحكيلك انو ما نسينا
ولا راح ننسى عهدك
كل شمعة بتذكرنا
بدمعتك وبندري انو شموع
الدنيا ما بتضوي عتمتك
الحلقة 39
يا جورجيت وجهك
ما شفناه وآلمك اعرفناه
يا جورجيت انا حفيدتك وهذا حفيد عدوك والزمن رجع والوثيقة انكتبت باسمك واسم عدوك فيها ....
والتاريخ نفس التاريخ واسمك فخر واسم عدوك عار ومشان اسمك الدهري دفع كل شيء وما عاد من نسلوا حدا بيملك شيء ..
دموعك وحسرتك ذاقوها..
واسمك ظل وحيظل ..واسم عدوك ما ظل منو شيء ..عهدك لبنتي ححفظو..واسمك ححملو لبنتي ..
واسمك الاول وعدوك الاخر ..وحفيد عدوك دخل عتمة القبر..وهرب من القبر لانك
سمحتي ..كان بايدك تعتميه العمر كله ..بس انتي اللي تركتيه ..
يا ستي وين ما كنت اذا كنت بتسمعيني ساعديني ..ابن الدهري حبني من غير ما
يشوفني والنذر اكتمل والعهد انصان..واثناء حديث ياسمين بدأت الشموع تنطفىء
الواحدة بعد الاخرى بطريقة غريبة..حتى انطفأت نصف الشموع ..ايقنت ياسمين ان
الشموع تنطفىء واحدة تلو الاخرى ..فأمتقع لونها ووضعت كفيها على وجهها
واجهشت بالبكاء ..وبصوت مسموع وبألم وحسرة وضعت رأسها على الارض ولم تعد
تنطق بكلمة ..
لم يحتمل فارس بكاء ياسمين بهذه الطريقة ولم يتمالك نفسه وأخذ يبكي معها
واقترب منها وحاول ان يرفع رأسها عن الارض الا انها بقيت ملتصقة بالارض
مجهشة بالبكاء بألم وحسرة ..حاول فارس وحاول وشعر ان ما يحدث لياسمين هو
بسبب انطفاء الشموع الذي يشير بأن جورجيت غير راضية وقف فارس والدموع
بعينيه متأثرا بشدة لما ألم بياسمين.
واخذ ينادي باتجاه ما تبقى مشتعلا من الشموع: يا جورجيت انا ما عرفتك صغيرا
ولا عرفتك كبيرا وانا ما عرفت انو انكتب علّي احمل ذنب ابو.. وجد.. وقريب
وما صدقت انو دمي من دمهم..ما عرفتك بس بكيتك..وكرهت اصلي وحبيتك وحبيت بنت
بنتك وحبيت اسمك ..الدنيا كلها ..كلها ظلمة ان ما كانت فيها ..
حبيتها من غير ما اشوفها ورضيت اظل العمر اشعر فيها وما اشوفها ولو خيروني
معها لاعيش بقبر وبدونها كل حياتي قبر..هي طلعت من العتمة وكانت الّي النور
وان كان حكمت علي اعيش بعتمة وهي معي فأنت حكمت علي اعيش بالنور ..دموعها
نار بتحرقني ..ارحم الي اعيش عمري كلوا في القبور ...
وما اشوف دموعها... يا جورجيت القبور والخوف والألم حتى الموت ما كان ممكن
يعذبني وهلأ بحكيلك ان كنت بتسمعيني وبحكيلها انو فراقها لحظة هو اليّ كان
يحرقني وتفكيري كل لحظة اني ممكن افقدها كان يعذبني..يا جورجيت ان نكتب
علّي احمل ذنب سيدي انا جاهز اعمل الي بدك اياه ..انا جاهز ادفع ثمن ذنب
مجرم ما عرفتو ..
كل شيء ممكن احتملو الا الدموع "بعيونها" بشوفها بالليل والنهار نار
بتحرقني...بكل لحظة عرفتها حبيتها...انا حبيتها وهي بتكرهني ...انا حبيتها
وهي بتعذبني ..انا حبيتهاوهي بتحبني..يا جورجيت ان كنت بتسمعيني ...
وتعب فارس من مخاطبة الشموع وجلس بجانب ياسمين محاولا ان يهدئها..واستطاع
ان يرفع رأسها عن الارض ويضمها الى صدره بقوة لتمتزج دموعهما معا وكأنها
دموع شخص واحد...
وعيونهما بأتجاه الشموع ...عادت الشموع تشتعل بطريقة غريبة الواحدة تلو
الاخرى وبسرعة كبيرة حتى عادت واشتعلت جميعها...وقفت ياسمين محدقة بالشموع
وما زالت اثار الدموع تملأ عينيها ..
ووقف فارس الى جوارها ومن بعيد ومن خلف الشموع ظهرت فتاة ترتدي الأبيض ويشع
من وجهها النور وشعرها مسترسل على كتفيها..حتى لحظة ظهورها كان فارس يظن
ان ياسمين هي اجمل من خلق الله ولكن ما رآه لا يمكن لعقل وفكر ان يوصفه وما
بهر فارس وحتى ياسمين ان الشبه كبير بينها وبين ياسمين...
ياسمين لم تكن اقل مفاجأة من فارس ..الا ان الفرحة الممزوجة بالخوف قد بدت
على وجهها ..لم تتحرك ياسمين من مكانها الا حينما ارتسمت على شفاه الفتاة
ابتسامة كأنها دعوة لياسمين ان تقترب منها ..سارت ياسمين بسرعة باتجاهها
وانحنت ولمست بيدها قدمها وقبلت يدها حيث لمست ..
وهمت ان تحضنها في لحظة الا انها عادت الى الخلف من جديد وكان احدا طلب
منها ذلك او انها فهمت ان ذلك ليس بأمكانها وشبكت يديها ببعض وضمتهم الى
صدرها بقوة وعادت ووقفت بجانب فارس ولم تزح نظرها ولو للحظة واحدة عنها
وقالت ياسمين والدموع تترقرق في عينيها:
ستي جورجيت انا...لم تكمل كلمتها فقد اشارت جورجيت بيدها مع ابتسامة ففهمت ياسمين انها يجب ان تصمت ...
خيم جو من الصمت لعدة دقائق لم يتكلم احد ولكن الابتسامة الممزوجة بدموع من
طرف فارس وياسمين والابتسامة والنور المشع من وجه جورجيت اضاف الى الجو
نوع من الدفيء ..ونظرت اليهم جورجيت نظرة مليئة بالمحبة والحنان مصحوبة
بابتسامة دافئة
وقالت لياسمين:
مبروك يا جورجيت
وسمي بنتك ياسمين
والنار انطفت والوثيقة احفظوها
والقديمة مع مولد ياسمين احرقوها
واحكوا للناس انو لعنة المظلوم نار
وقوة البشر ما بتطفيها
وتحرق جيل بعد جيل
لييجي جيل بالحب ينهيها
واستدارت جورجيت الجدة وسارت بخطى واثقة مبتعدة من حيث اتت وبقيت عيون فارس وياسمين تتبعها حتى توارت عن الانظار..
وقفزت ياسمين باتجاه فارس وتعلقت به وهي تضحك وتبكي في نفس الوقت ..ومدت يدها الى وثيقة الزواج وحملتها وضمتها الى صدرها ...
وامسكت بيد فارس كطفلة صغيرة وركضت باتجاه مدخل القاعة ثم توقفت للحظة
وكأنها تتذكر شيء ثم ركضت باتجاه المدخل الخلفي وحملت بيدها حقيبة صغيرة
وركضت مرة اخرى باتجاه فارس وامسكت بيده وركضت بسرعة باتجاه المدخل...خرجت
منه عدة خطوات ونظرت للخارج فانهمرت الدموع من عيونها وعانقت فارس بقوة
وسحبته بسرعة باتجاه السيارة ...لمحت بعينها مدير القاعة رافي ..يقف على
بعد اكثر من ثلاثين مترا يحدق بها هو ومن حوله من العاملين في القاعة
وكأنها ملاكا بثوب ابيض هبط من السماء ..ضحكت وتركت يد فارس واخرجت من
الحقيبة مغلف وركضت باتجاه مدير القاعة وناولته اياه بسرعة وابتسمت له بخجل
حينما شعرت انه يتسأل ...هي او ليست هي..وركضت وعادت الى فارس ..
صعدا السيارة واوقعت ياسمين المفاتيح على الارض اكثر من مرة من شدة
الارتباك التي هي فيه...واسرعت بالسيارة تنظر الى فارس وهي تضحك وتبكي
وتمسح دموعها فتضحك وتعود الدموع تنهمر من عيناها من جديد.
ساعة وهي مرتبكة والصمت يخيم على الاجواء فلا احد يكلم الاخر واوقفت
السيارة بجانب هضبة وامسكت بيد فارس واخذت تصعده بسرعة وهي تجر فارس خلفها
ووقفت واخذت تنادي بأعلى صوتها وردة ..وردة..وردة..ويتردد صدى صوتها وتنظر
بكل الاتجاهات ...وبعد عشرة دقائق عادت وصعدت الى السيارة وقادتها لمسافة
مئات الامتار واوقفتها وخرجت منها ووقفت بجانبها ...
وبعد خمس دقائق ظهرت امرأة مقنعة بالخمار والعباءة واقتربت من السيارة وركضت باتجاه ياسمين ...
وياسمين ركضت بأتجاهها وكل منهما تنادي بأسم الاخرى"ياسمين...وردة".
فقالت ياسمين لوردة: شفت ستي جورجيت يا وردة شفتها..!